بقلم د. : سعد الدين إبراهيم (كاتب مصري) ..إن الدعوة التي أطلقناها قبل ثلاثة أسابيع، من أجل حملة شعبية، قوامها مليون مواطن، لمُراقبة الانتخابات البرلمانية (2010)، ثم الرئاسية (2011)، مازالت تثير حواراً واسعاً، شارك فيه إلى تاريخه حوالي ثلاثمائة قارئ بالبريد الإلكتروني، إما من خلال المصري اليوم مُباشرة، ونشرته الصحيفة بالفعل، أو من خلال خطابات إليّ، وإلى مركز ابن خلدون (fatma2004ss@yahoo.com) مُباشرة.
كذلك بادر اتحاد المحامين الليبراليين، بدعوة موازية لمؤتمر صحفي من القاهرة، ثم معي في العاصمة الأمريكية واشنطن، بطريقة التواصل الإلكتروني (Teleconferencing)، وشارك فيه الزميلان، عُمر عفيفي المحامي (صاحب كتاب علشان ما تنضربش على قفاك)، والاقتصادي النابه د. نعيم الشربيني، وهما أيضاً من أعضاء ائتلاف المنظمات المصرية في أمريكا الشمالية. وأدار المؤتمر الذي تحوّل إلى حوار المحامي شادي طلعت، صاحب حملة المصير، الموازية والداعمة لحملتنا.
ومن الصحفيين الذين وجهّوا أسئلتهم من القاهرة، كل من ثروت شلبي، وأحمد فارس، وهويدا يحيى، ومحاسن السنوسي، وتامر عبد الباقي، ورامي عزّام، وإسلام صبحي، وهبة عبد الرؤوف، وإبراهيم حسن، وآخرون ممن حضروا، ولم يوجهوا أسئلة، ولذلك أعتذر عن عدم ذكر أسمائهم.
ودارت مُعظم الأسئلة والتعليقات، سواء في المؤتمر الصحفي، من مقر اتحاد المحامين الليبراليين، بمدينة فيصل بالقاهرة، أو بالبريد الإلكتروني، حول المسائل الخمس التالية:
1ـ تنظيم حملة المُراقبة الشعبية.
2ـ تمويل الحملة.
3ـ العلاقة بالدكتور محمد البرادعي.
4ـ الصعوبات المتوقعة.
5ـ عودتي إلى مصر.
وأظن أن الإخوة والأخوات الذين شاركوا في المؤتمر الصحفي ربما يكونون قد نشروا بالفعل في صُحفهم وقائع المؤتمر، وأهم موضوعات الحوار. لذلك أكتفي هنا بمُلخص مقتضب عن المسائل الخمس المذكورة أعلاه:
1- نوّه الصحفيون أنفسهم بالمُبادرة لحملة مُراقبة الانتخابات، وإن أشفق بعضهم أو تشكّك أن يستجيب لها مليون مواطن مصري، ويتلقون التدريب للمراقبة في الأحياء بالمدن، وبالقرى والنجوع في الريف. وقد يكون لهم الحق، في ضوء ما لاحظه بعضهم من تضييقات أمنية على المواطنين، وحالة الخوف التي أشاعتها الأجهزة الأمنية في ربوع مصر، من أسوان إلى الإسكندرية!
ومما قلته في الرد على ذلك، أن مثل هذا التضييق الأمني، لم يمنعنا في الماضي من مُراقبة الانتخابات ـ أعوام 1995، و2000، و2005، و2007. ولن يمنعنا في عامي 2010 و 2011، على التوالي. فالعبقرية الشعبية المصرية، كفيلة بإيجاد الطُرق والوسائل التي نخترق بها الحوائط الأمنية والبوليسية، سواء كانت "فولاذية" على الحدود مع غزة، أو بشرية من العطارين بالإسكندرية، إلى الضاهر وباب الشعرية بالقاهرة، أو ميدان جمال عبد الناصر بأسوان. فلا يمكن للقمع مهما اشتدت وطأته، وامتدت سنينه، أن يُخمد جذور الحُرية في صدور ثمانين مليون. فهذه دروس التاريخ من جنوب إفريقيا، إلى الفلبين، ومن رومانيا إلى الأرجنتين.
2- سأل الصحفيون عن ضمانات حصول الناخبين الُجدد ـ أي الذين بلغوا الثمانية عشرة من أعمارهم في السنوات الخمس الأخيرة ـ وهم خمسة ملايين، وعما إذا كانت الحملة المُقترحة ستطالب لهم، كما اقترح البعض، بأن يكون "الرقم القومي"، هو الأساسي أو البديل للبطاقة الانتخابية الورقية. وكانت إجابتنا هي نعم للرقم القومي.
وتشاء الصُدفة أنه في نفس صباح يوم المؤتمر الصحفي (السبت 23-1-2010) أن صرّح مسؤول بمصلحة الأحوال المدنية، وهو قطاع تابع لوزارة الداخلية، أن عدد المواطنين الذين استخرجوا بطاقة الرقم القومي، إلى تاريخه، قد تجاوز الخمسين مليون مصري. وهو عدد يفوق عدد من لديهم بطاقات انتخابية ورقية بحوالي ثمانية عشر مليوناً، طبقاً لنفس مصادر وزارة الداخلية عام 2005 أي أننا بصدد أكبر قاعدة انتخابية (50 مليونا) في تاريخ مصر والمنطقة العربية بأسرها.
ومن المعروف أن بطاقة الرقم القومي هي من مادة "بلاستيكية"، صعبة الإتلاف أو التزوير. ومن السهل ضبط العملية الانتخابية إلكترونياً، والمُحاسبة المركزية، بحيث لا يستطيع صاحبها التصويت أكثر من مرة، أو في أكثر من مكان، لنفس الانتخابات. كما لا يمكن معها للأموات من التصويت، كما كان يحدث في الانتخابات السابقة!
3- أما عن تمويل الحملة، فإنه سيتم من مصادر محلية، أساساً، ودولية غير حكومية، بشكل تكميلي. وقد وعد بعض رجال الأعمال المصريين، المقيمين بالخارج، بمُساهمات كريمة لتدريب وإعاشة المُراقبين.
كذلك، فإن جزءاً من الحملة والتعبئة الشعبية، هو جمع تبرعات متواضعة، من المواطنين أصحاب الحق في انتخابات حُرة ونزيهة. ونقصد بالتبرعات المتواضعة، تلك التي تتراوح بين "جنيه واحد" و "مائة جنيه". ولنا في ذلك من حملة باراك أوباما أسوة حسنة، حيث إن عدة ملايين من الشباب الأمريكي هم الذين تبرعوا بعشرة دولارات.
ومن هذه العشرات، التي هي بالنسبة للمواطن الأمريكي، ثمن وجبة غذاء (هامبورجر)، وربما يكون المقابل لها في حالتنا هو خمسة جنيهات (سندوتشين فول وطعمية). فلو أن مائتي ألف مصري (من 80 مليون)، تبرع كل منهم بهذا المبلغ، لكان لدينا مليون جنيه، تكفي لتمويل حملة مُراقبة الانتخابات. فإذا أتانا دعم خارجي غير مشروط، فإنه يكون زيادة الخير، "خيرين"!
المهم في كل ذلك هو الشفافية التامة، بحيث يكون الرأي العام المصري على معرفة كاملة بمصادر التمويل وأوجه الإنفاق. وحبذا لو حذت كل الأحزاب، وخاصة الحزب الوطني الحاكم، حذونا في هذا الصدد.
أما الموضوع الثالث فقد كان حول علاقتي وعلاقة الحملة بالدكتور محمد البرادعي. وحقيقة الأمر أنني لا أعرف الرجل، ولم أتصل به، ولم يتصل بي إلى حينه. وموقفي منه هو الترحيب بدخوله إلى السباق الرئاسي، فذلك يجعل الانتخابات الرئاسية القادمة (2011) انتخابات تنافسية فعلاً، خاصة إذا استمر د. أيمن نور أيضاً في السباق.
ففي هذه الحالة سيكون أمام المواطن/ الناخب ثلاثة بدائل حقيقية، وعلى قدر معقول من الندية، وهو كما قلنا في مقالات سابقة سيُعيد "السياسة" إلى الساحة المصرية، بعد طول غياب. فالسياسة هي تنافس مشروع بين الطامحين للخدمة العامة، من خلال السُلطة، وهو تنافس يحسمه المواطنون في النهاية، باختيارهم الحُر للأفضل من بينهم.
وقد سئلت: هل أنا مُستعد لإقناع د. البرادعي لقبول الترشيح من خلال أحد الأحزاب الشرعية، في حالة تصلب شرايين النظام الحاكم ورفضه لتعديل الدستور؟
وكانت إجابتي أنني وغيري سنحاول، خاصة والرجل لا بد وأنه أدرك بنفسه حجم الحفاوة الشعبية بنيته أو استعداده لدخول السباق. وقد سمعت من مصريين كثيرين في الداخل والخارج صلواتهم أن يكون الرجل جاداً، وأن يصمد في مواجهة الهجوم الشرس الذي شنّه عليه أنصار الحزب الوطني.
4- أما الصعوبات المتوقعة، فحدث ولا حرج. ومع ذلك فكما قلت مراراً وتكراراً، أن جدار الخوف الذي كان وما يزال قائماً منذ سنوات، قد تشقق كثيراً في الآونة الأخيرة، بدليل مئات العصيانات المدنية التي تشهدها الساحة المصرية مؤخراً ـ من الصيادين في البُحيرات وأسوان، إلى موظفي الشهر العقاري، إلى بدو سيناء، إلى عُمال المحلة، إلى طلاب الجامعات.
وهذا يعني أن أجهزة الرُعب التي تمرّس النظام على استخدامها لا بد أن تفكر عدة مرات، حتى لا تنفجر براكين الغضب الشعبي. ثم إن مركز ابن خلدون قد راقب الانتخابات بالفعل ثلاث مرات سابقة (1995، 2000،2005).
صحيح أنني دخلت السجن ومعي 27 من باحثي مركز ابن خلدون بسبب الأولى (1995)، والثانية (2000) . ولكن ذلك لم يمنعنا من مراقبة الثالثة (2005)، ولن يمنعنا من مراقبة الانتخابات البرلمانية (2010) والرئاسية (2011)، بإذن الله.
5- وأخيراً، ألح كل من الصحفيين ثروت شلبي وهويدا يحي ومحاسن السنوسي بعدة أسئلة حول موضوع عودتي إلى الوطن. وكانت إجابتي هي أنني سأعود بإذن اللَّه إلى الوطن حياً أو "ميتاً". فوصيتي لأسرتي الصغيرة والمُمتدة، هي أن أُدفن في تراب مصر.
وأرجو ألا يفعل النظام الحاكم، كما فعل في حالة المرحوم عدلي أبادير، الذي انتقل إلى السماوات المقدسة منذ شهر، وأرادت أسرته أن تكون جنازته ومثواه الأخير في تراب الوطن. ولكن قيل للأسرة أن ذلك غير ممكن!
فدُفن الرجل في مدينة زيورخ بسويسرا، أما أنا فدعواتي لله، ووصيتي للأسرة، هي أن أُدفن في مقابرنا بقرية بدين، مركز المنصورة، دقهلية، أو في مزرعتنا بوادي النطرون. وربما يكون النظام أكثر رحمة بي بعد مماتي، بعد أن تبخرت الرحمة من قلبه أثناء حياتي.
واللَّه غالب على أمره ، وهو أرحم الراحمين.
semibrahim@gmail.com