بقلم محمد علي إبراهيم - البطة السوداء وأبناؤها


من المفترض أن تهتم نقابة الصحفيين بالزملاء والزميلات الذين ترفع ضدهم قضايا من جهات وأشخاص. دون النظر إلي هوية هؤلاء. بمعني أنه من البديهي أن يكون جميع الصحفيين سواسية أمام النقابة.. لكن هل تعاملنا النقابة فعلاً علي أننا أبناء "بطة واحدة"؟. الحقيقة لا.. فالبطة البيضاء وأبناؤها هم الزملاء العاملون بالصحافة الخاصة ومعهم رؤساء تحريرهم. الذين استأثروا بحكم التجاوز والانفلات والشجاعة اللفظية بأنهم "الصحفيون الوحيدون" المعتمدون لدي النقابة.. أبناء الصحافة الخاصة هم المدللون لدي مجلس النقابة الهصور الذي يحرك الدنيا ويقيمها ويقعدها لو مس أحد شعرة من رأس أي زميل بالصحافة الخاصة.. أما إذا تعرض أحد الزملاء بالصحف القومية لتحقيق في النيابة أو غيرها أو قُدِّم للمحاكمة أمام إحدي دوائر القضاء الرفيع. فإن هذا يخرج عن اختصاصات النقابة تماماً.. فخلال حياتي المهنية التي امتدت لأكثر من 30 عاماً.
لاحظت أن النقابة تخلت عن الصحافة القومية إذا ما وقفت أمام القضاء. مع أنني أتذكر أنها في أيام الأستاذ كامل زهيري شفاه الله وأيام الأستاذ مكرم محمد أحمد المرشح نقيباً الآن. أدت دورها النقابي بتجرد وحيادية وشفافية مع الزملاء بالصحف القومية والحزبية علي حد سواء. حيث لم يكن القدر قد جاد علينا بعد بالصحف الخاصة!!.. وأتذكر موقف النقابة الرائع مع الزميل الكبير الراحل صلاح حافظ وهو أفضل كاتب شيوعي ظهر في مصر وكذلك في القضايا التي كانت مرفوعة ضد محمود عوض الكاتب العملاق.. وضد جلال الحمامصي بعد كتابه "حوار وراء الأسوار" والذي اتهم فيه ذمة الرئيس عبدالناصر.. بل وأيضاً ضد عادل حمودة الذي كان متهماً بالاقتباس والسرقة!.
وذلك عندما رفع الكاتب حسني أبواليزيد قضية شهيرة ضده اتهمه فيها بسرقة كتابه عن قتلة السادات وحكمت المحكمة بأن تتولي الكاتبة صافيناز كاظم التقييم. ونعرف جميعاً ما قالته عن أن الكتاب "مقتبس".. وتقبل الخصمان الحكم برضا وقناعة.. رغم أن سرقة الأبحاث العلمية في الجامعات والمعاهد العليا تقضي بشطب صاحبها أو حرمانه من الترقية أو غير ذلك من الإجراءات التأديبية.. لكن منذ أن ظهرت الصحف الخاصة شعرت وقد يكون إحساسي خاطئاً أنها اختطفت النقابة لصالحها وصار كل شيء لها مغفوراً وفتحوا أمامها أبواب الجنة.. الصحف القومية لم تحظ بنفس المعاملة لعدة أسباب أهمها أنه عندما أصبح النقيب مستقلاً بمعني أنه غير منتم فعلياً للصحافة القومية وعندما تمكن الإخوان والناصريون من السيطرة عليه وعلي المجلس. شعر المنتمون للصحف القومية أنهم أصبحوا أقلية.. وبالمناسبة الزميل يحيي قلاش مازال يحفظ باب الود مع "الجمهورية" من باب "العيش والملح" وأن وجهنا في وجهه يوم الأربعاء من كل أسبوع.. لقد خاضت "الجمهورية" وأنا شخصياً معركة إلغاء عقوبة الحبس وكنا في الصفوف الأمامية متقدمين حتي علي الصحافة الخاصة. وكان المانشيت الذي أخذته "الجمهورية" بعد جلسة مجلس الشعب التي وافق فيها الأعضاء علي الحبس. منتشراً في كل وكالات الأنباء والمحطات الفضائية.. كان كلمة واحدة "فعلوها". ولكنها كانت قوية..
واستجاب الرئيس لطلبنا وكنا نعلم منذ اللحظة الأولي أنه هو الملجأ والملاذ. ولم يخذلنا كعادته.. دافعنا عن حرية الصحافة لأن هذا مبدأنا وعقيدتنا. لكننا لم نمّن أو نتاجر بما فعلناه لأن المرء لا يتاجر بمبدئه حتي لو كان السيف علي رقبته.. وعندما قرأت الصحف الخاصة بعد التدخل المحمود للرئيس مبارك وإلغاء الحبس الاحتياطي. طالعنا جميعاً كيف أن جميع الصحف نسبت الفضل للنقابة وليس للرئيس!. في إغفال لا يمكن أن يكون بحسن نية.. كما أنها نسبت لها في المرة الأولي أشياء لم تكن قد قامت بها.. علي أية حال هذه ليست قضيتنا.
فنحن نركز علي أبناء البطة السوداء لذلك فإنني أسوق هنا بعضاً من المواقف التي مررت بها خلال عملي الصحفي لأدلل علي أن رئيس التحرير لأية صحيفة قومية يذهب إلي النيابات ويتعرض للوقوف في المحاكم ولا يحظي بالتدليل الذي يحظي به زميله رئيس التحرير الخاص.
لا لشيء سوي أنه كتب عليه القدر أن يتعلم الصحافة علي أصولها وعلي يد أساتذة. ويلتزم بالمعايير المهنية وبالتالي فإن الفارق الجوهري بين أولاد البطة البيضاء وشقيقتها السوداء. أن أبناء الأخيرة منفلتون. وبالتالي فإن أي شخص له هذه الصفات لابد أن يشعر بأنه فوق المساءلة.. هذا ما يقوله علم النفس وما أثبتته الأيام مع بعض الزملاء المناضلين.. علي أية حال فقد عرفت طريقي للمحاكم والنيابات كثيراً في عملي الصحفي. ولم أجد عوناً من النقابة رغم أن إخطارات القضايا كانت تذهب إليهم.. الأمر الذي يقطع بأنهم لا يكترثون إلا لمن يحقق لهم "الشو" الإعلامي والمكاسب الانتخابية وأدوار البطولة.. أول القصيدة لم أجد يوماً النقابة تتطوع وتقول لي إنها سترسل لي محامياً يشد أزري. أو يحضر معي أحد أعضاء المجلس حتي لو كان من باب المجاملة أو "المظهرية" أو ذراً للرماد في العيون.. كان أول ظهور لي في نيابات مجمع محاكم الجلاء عندما كنت أرأس تحرير الإجيبشيان جازيت وأشرف علي صفحة بريد القراء بالجمهورية عندما رفع أحدهم قضية ضدي لأنه شعر أن ما نشر عنه من مرءوسيه يمثل سباً وقذفاً.. ذهبت لرئيس تحرير الجمهورية فقال لي: "أنا مالي.. أنا عندي حصانة!".. الأكثر من ذلك أن القضية كانت مرفوعة ضده. ولكنها أصبحت ضدي رغم أن اسمي لم يكن علي الصفحة ولا أسماء أي من السادة المحررين المشتركين معي في تحريرها. وعرفت أنه أبلغ الإدارة القانونية بضرورة أن أذهب للنيابة. حيث إنني المسئول الأول والأخير. وبالتالي فلابد أن "أشيل" القضية "لوحدي"!!.. ذهبت لمجمع المحاكم ومعي محامي المؤسسة هشام حنفي وعندما جلسنا أمام رئيس النيابة سألت هشام: أليس من الواجب أن نخطر النقابة. وهنا صعقت وسمعت رئيس النيابة يقول: أخطرناهم وفي العادة لا يحضرون!. لم تستوقفني الكلمة وظللت أناضل أربع ساعات. وهشام يبصرني بالفخاخ والمزالق.. قدمنا المستندات وحضرنا جلستين أخريين. وتم نظر القضية أمام الجنايات وأكرمني الله بالبراءة.. وكما لم يحضر أحد في التحقيقات.
تجاهلوا جلسة المحاكمة.. وأثناء رئاستي تحرير الجازيت رفعت ضدي أيضا إحدي شركات التنظيف الإيطالية دعوي مدنية بتعويض نصف مليون جنيه وأخري جنائية بالسب والقذف لأنني كتبت في الصفحة الأولي أن الحمار والزبّال التقليدي كانا أفضل من الشركة الإيطالية.. وظلت القضية منظورة حوالي 6 أشهر تم الحكم فيها لصالحي بعد المذكرة التي كتبها رئيس الإدارة القانونية عصام عبد العظيم. وقال القاضي في حيثياته:
إن النقد والسخرية في مقال الكاتب كان للصالح العام.. ومرة أخري لم يحضر معي أحد من مجلس النقابة رغم أن القضية جنائية. ولم يكن الحبس الاحتياطي قد تم إلغاؤه بعد. وأنقذني الله كما ينقذني دائماً لأنه ليس لدي أجندة خاصة ولا مصالح. ولست ذراعاً لمليونير أو لوبي سياسي أو جماعة محظورة.. ثم بدأت القضايا الكبري مع تولي رئاسة تحرير "الجمهورية" فقد اختصمني أيمن نور في القضية 2006/12852 إداري الأزبكية المقيدة برقم 2007/111 فحص استئناف القاهرة قائلاً في عريضة دعواه: إنني شككت في مستندات عضويته بنقابة المحامين وبعض البيانات الاجتماعية الأخري. ورغم أن المستشار الذي تولي التحقيق معي في القضية أخطر نقابة الصحفيين إلا أنني كالعادة وجدت نفسي وحيداً ولولا الله سبحانه وتعالي وجهود المستشارين عصام عبدالعظيم وهشام حنفي لكنت ضيفاً بالسجن ومزاملاً لنور. وإن كانت زمالتي له لم تكن لتندرج تحت بند الجرائم المخلة بالشرف.. أما المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة فقد رفع ضدي قضية لأن الزميل "المصري" كتب عموداً عن فساد بعض رجال القضاء وبالتحديد في واقعة معينة وتم وضع صورة فوتوغرافية له مع الخبر. الأمر الذي اعتبره سباً وقذفاً له فرفع ضدي جنحة مباشرة أمام محكمة جنح الأزبكية بالإضافة إلي دعوي جنائية بالسب والقذف رقم 2007/8684 في دائرة 3 شمال القاهرة وهي مقيدة بنيابة الاستئناف رقم 2007/9 حصر تحقيق استئناف القاهرة.. وقد تكرمت النيابة كعادتها في كل مرة بإبلاغ نقابة الصحفيين بموعد التحقيقات وأن هناك جنحة وجناية. لكن النقابة كعادتها لم تتحرك!. ولم أشاهد أعضاء مجلس النقابة ينتظرونني علي سلم دار القضاء العالي ويحيطون بي إحاطة السوار بالمعصم شداً من أزري..
ولم أشاهد قنوات فضائية تنتظرني لتأخذ رأيي فيما لو انتهي بي الحال إلي السجن.. ولم أجد مندوب السفارة الأمريكية أو الزميلة جميلة إسماعيل لتعضدني في التحقيقات التي لم تقل في أية قضية عن أربع ساعات.. والحقيقة أن نادي القضاة دائم التربص بي بحجة أنني أهين القضاء.
مع أن ما قلته عن ضرورة التصدي للفساد في هذا السلك القضائي الرفيع قال أقسي منه وأعنف المستشار محمود الخضيري في حديثه ل "الدستور" عندما اتهم زملاءه بالحصول علي رشاوي من الحكومة في الانتخابات. وأضاف أن القضاة الفاسدين لهم استخدامان عند الحكومة: تزوير الانتخابات وإصدار أحكام علي مزاج النظام.. واستطرد الخضيري متهماً القضاة الذين يسمعون كلام الحكومة بأنهم "يأخذون رشاوي" بل إنه قالها صريحة:
هناك قضاة فاسدون ومنحرفون.. المهم أن الخصومة مع رئيس نادي القضاة مازالت مستمرة وقد أوقفت محكمة جنح الأزبكية الجنحة وأحالتها للنيابة العامة.. وكان الغرض واضحاً من رفع دعوي جنحة وجناية ضدي في وقت واحد من جانب رئيس نادي القضاة.. وهو إذا لم أسجن في واحدة أسجن في الأخري.. العجيب أن زملاءنا في الصحف الخاصة دأبوا علي نشر القضايا المرفوعة ضدي قبل أن تصل لمكتب النائب العام. حيث اعتاد الخصوم أن يرسلوا القضايا إليهم أولاً ليتحقق لهم السبق الصحفي خصوصاً وأن المتهم الذي هو أنا "قومي". وبالتالي إسرائيلي يستحق التشهير.. لم تفكر النقابة أو الذين يقدمون الأخبار للصحف أن الأعمار بيد الله وربما تسقط القضية لوفاة الجاني.. لقد أصبحت الصحف الخاصة التي تنشر البلاغات قبل أن تصل إلي النائب العام جهة خصومة هي الأخري. فهي تؤثر في الرأي العام وتؤثر علي ضمير القاضي قبل أن يقرأ أوراق القضية.
بل حتي قبل أن تتم التحقيقات.. علي أية حال كان القصد من هذا السرد توضيح أن رؤساء تحرير الصحف القومية "حتي مع تمتعهم بالحصانة وقبل تشرفهم بها" يذهبون إلي النيابات والمحاكم في قضايا مدنية وإدارية وجنائية.. يذهبون بلا كاميرات أو ميكروفونات أو دعم لوجيستي من النقابة ومجلسها.. وبالمناسبة بعد أسبوعين يتم التحقيق معي في قضايا سب وقذف من د. سعدالدين إبراهيم يومي 16 أكتوبر و22 أكتوبر. لكن يبدو أن الصحف الخاصة لم تعلم بعد بالموعد لأن محامي الخصم الأستاذ شادي طلعت لم يعرف بعد أسلوب الإنذار المبكر الذي يرسل للصحف قبل نظر الدعاوي.. علي أية حال لم أكن أنوي أبداً استعراض القضايا والدعاوي المرفوعة ضدي خصوصاً وأن بعضها يعود إلي أربعة أعوام والبعض الآخر إلي ستة. لكني تراجعت عن وجهة نظري تلك عندما وجدت أن الإخوان في الصحافة الخاصة يصورون أنفسهم علي أنهم أبطال صناديد يتعرضون لما لا يتعرض له زملاؤهم "القوميون".
وبالتالي فإن مجلس النقابة لا يدافع إلا عنهم باعتبارهم أولاد البطة البيضاء.. إن هذه المساحة رسالة عاجلة من أولاد "البطة السوداء" لمجلسنا الموقر في النقابة. إننا نريد تعاطفكم ومساندتكم.. فكل الزملاء الذين دفعوا الكفالة لن يتم حبسهم. أما نحن وأمثالنا من الصحفيين الغلابة فلا نملك ما ندفعه كفالة وبالتالي فإننا الأكثر عرضة للحبس. خصوصاً وأن المؤسسات القومية اتفقت علي عدم دفع أي كفالة لمحرريها إذا ما صدر ضدهم حكم!!..